السماء سوداء دون نجوم و الجو شديد السخونة رغم حلول الليل الذي كان قمره احمر … نعم احمر ، بل شديد الاحمرار كلون الدم . .
حسنا دعني اقص عليك القصة من البداية .
في وقت سابق ,
٠٠:٠٠ , ٣١ ديسمبر ٢٩٩٩ , القاهرة ، الوضع هادئ و الجميع منخرطون في احتفالات بداية الألفية الجديدة … الألفية الرابعة , متحدث يقول : من كان يؤمن أن البشرية ستدوم لمثل هذا التاريخ ، اليوم نعبر نحن - الجنس البشري - عن انتصاراتنا المتعددة التي حققناها على الزمن و مروره الذي يبلي الاشياء ، انتصرنا عليه بآلاتنا و تطوراتنا ، نعم تغير شكلنا بعض الشيء و امتلكنا خواص جديدة كالتنفس تحت الماء و تحمل الضغوط العالية و المنخفضة عن الطبيعي و التعايش مع جميع درجات الحرارة المتفاوتة بطريقة عادية جدا و الفضل كله يعود للهندسة الوراثية و ثورة التعديل الچيني ، حينما اكتشفنا أن الكائنات من حولنا لم تخلق لاطعامنا فقط ، و ان تلك القدرات التي تملكها لم تكن طرائق دفاعية تحميها منا … بل كان كل هذا لنا ، لبقائنا و تطورنا ، لكن حتى الكوكب نفسه يتطور و يتغير ، بدأ هذا الكوكب المتهالك في الانحراف عن مساره قليلا منذ ١٠٠ عام ، و مع بعض الأبحاث و التوقعات المستقبلية وقتها وجدنا أنه ربما تترك الارض مسارها تماما في غضون ٢٣٠ عاما و ها قد مر ١٠٠ عام و تبقى ١٣٠و هذا يعني أن الأرض قد تفقد خواصها تدريجيا و هذا ما يحدث فعلا ، القمر أصبح اقل ضوءا و الارض لا يصل لها نفس القدر من الطاقة الشمسية فعملنا على إطلاق شيء جديد كمسكن ريثما نطور اجسامنا اكثر لتلائم الوضع الجديد ، هذا الشيء هو عدسة مكبرة عملاقة إن جاز التعبير ، قمر صناعي سيصعد للفضاء بزاوية محددة بدقة تسمح له امتصاص الطاقة الشمسية و إطلاقها الى القمر ، حتى إذا انفصلت الارض عن الشمس تماما أصبح القمر هو المصدر الأول للطاقة بفضل هذا " الموصل " كما اسميناه " انتهى السيد جميل عبد العظيم - المتحدث الرسمي باسم المشروع - من إلقاء كلمته ليواصل وراءه رجل لا يقل عنه هنداما و لباقة في الحديث ، هذا الرجل هو الاعلامي المشهور يحيى أديب الذي جاء لدعم المشروع بشعبيته الضخمة و ثقة العامة به ليقول :
سيداتي سادتي الكرام اليوم بل الآن نحتفل بإطلاق الموصل للفضاء بعد دقيقتين ، لنتابع العد التنازلي على الشاشة … اريد ان اسمع اصواتكم تعد حينما يصل العد الى ١٠ ثوان ، كما أود أن أوجه التحية للسيد چيمس جانر المشرف العام على المشروع ، شكرا .
رحب الجمهور الحاضر بچيمس جانر بحفاوة و كأنه هو من اخترع فكرة " الموصل " او من موله حتى ، فبادلهم جانر التحية رافعا يده اليمنى مثل الحكام و الزعماء . دقائق و اخترق الحضور رجل ذو بذلة سوداء و بطاقة هوية على صدره مكتوب فيها " الضابط توماس ڤيجل " ليصل إلى چيمس جانر و يهمس في أذنه : سيدي هناك مشكلة ، هلا رافقتني بسرعة من فضلك ؟
استأذن جانر من الحاضرين و ذهب مع ڤيجل ليقابل دكتور روچر في المصعد و يضغط على زر مكتوب عليه X ينتهي في طابق سفلي حيث " المختبر الدولي للأبحاث الفلكية " و الذي يوجد اسفل بناية منظمة " X-space " الدولية ، و هي التطور الطبيعي لوكالة ناسا و بديلتها الموجودة في القاهرة ، فقد انفجرت الاخيرة اثر حادث ارهابي قام به مجهول ، لكن الناس قد تداولت ڤيديو قيل انه من كاميرات ناسا قبل الانفجار ، كان هذا الفيديو المكون من ١٠ ثوان يعرض حركة لجسم غريب له قدمان طويلتان و اربعة ايدي و اجنحة كالتي يملكها الخفاش ، و رأسه ذات عينين واسعتين شديتي السواد ، مر هذا الكائن بسرعة شديدة امام احدى الكاميرات قبل الانفجار بثوانٍ معدودات كما قيل , و اسند له جمع غفير من الناس حادث الانفجار على انه فضائي مُعادٍ لكوكب الأرض و قد بدأ بناسا حتى يعطل البشر عن ابحاثهم التي قد تؤدي إلى كشف وجود هذا الفضائي و قومه فقد طورت ناسا نوعا من الذكاء الاصطناعي اسمته TEG اختصارا ل " the electronic god " هذا النوع كان قد وصل الى قمة تطوره في ٢١٠٥م فأصبح يتحكم تقريبا بكل جهاز موجود على سطح الارض و يعرف كل شيء عن كل انسان كما اصبح يعرف كل ما يعرفه الانسان عن الفضاء و اكثر حتى ، لكن الحكومة الامريكية نفت ما تداول عن وجود فضائيين من الاساس و قالت ان هذا الڤيديو " مفبرك " و ان التفجير كان بسبب ارهابي من جماعة " الانسانيين " الذين يعارضون وجود TEG شكلا و موضوعا و يرون انه اهانة للعقل البشري و انه في يوم ما سوف يتحكم في كل شيء و يستعبد بني الانسان ليصبح TTG او ( The true god ) و بذلك ينهي حضارة بني آدم و يبدأ حضارة الروبوتات ، لذلك كانت جماعة الانسانيين يحاولون دائما تدمير ناسا التي تحتضن " عقل " TEG الرئيسي المتحكم في كل شيء ، و بعد تلك الحادثة اضطر البشر للعودة لسابق عهدهم و التخلي عن الذكاء الاصطناعي ريثما يتم صناعة " عقل " جديد و هذا ما اعاد البشرية لنقطة متأخرة فيما يخص الجيوش التي عادت تجند بشرا بدلا من الروبوتات التي اصبحت - كما كانت في البداية - مجرد آلات تنفذ المطلوب .
حين وصل روچر نادى على الدكتور أحمد بدر الذي كان واقفا امام شاشة ضخمة تتابع إطلاق " الموصل " فالتفت احمد ذو الخمسة و عشرون عاما لاستاذه قائلا : سيدي ! تخبرنا الاجهزة أن هناك بعض المشكلات في توجيه " الموصل " .
جانر متسألا : اي مشكلة ؟ لم يتبقى سوى أقل من دقيقة و انت تقول لي مشكلة في التوجيه ؟ و الآن ؟
طلب روچر من جانر أن يهدئ ثم التفت لأحمد و أمره أن يطفئ الاطلاق ريثما يصل فريق الإصلاحات و يصحح الوضع لكن كانت الخيبة قد ارتسمت على وجه احمد و التي بدورها انتقلت إلى وجوه كل الحاضرين حينما قال : للأسف يا سيدي الموصل لا يستجيب لأي أوامر .
قاطعه جانر : الا يوجد اي طريقة يدوية لإطفائه بدلا من التحكم عن بعد ؟
روچر : مستحيل ، كما انه ليس لدينا وقت ، باقي ١٢ ثانية ، يجب أن نفكر في حل ما بعد حدوث المصيبة .
في نفس الوقت و في كل أنحاء العالم كانت البشرية كلها تشارك في العد التنازلي " ١٠ ٩ ٨ ٧ ٦ ٥ ٤ ٣ ٢ ١ "
انتشرت صيحات الناس بالشوارع و صيحات السادة الحضور في الطابق العلوي من مبنى X-Space ايضا لأنهم و للاسف لم يكونوا يعلموا مدى الخطر المحدق بهم بعد انتهاء العد التنازلي .
- لقد أجريت بعض حساباتي و أبحاثي حسب تقارير الأجهزة و البوصلة و وجدت أن " الموصل " انحرف تمام عن مساره ليصبح في اتجاه القمر ( قالها احمد في ذعر )
جانر غير مستوعبا : اي أنه سيسقط على القمر مثل طائرة ورقية … مرحى ! لقد خيبنا امل البشرية .
روچر بنبرة خافتة مرتعبة : أخشى يا صديقي أن الوضع اسوء من أن نحبط امال البشرية ، أن اصطدم الموصل بالقمر ، سينفجر .
جانر : ينفجر الموصل و تضيع مجهوداتنا هبائا مع الانفجار مرة أخرى … مرحى !
روچر : لا يا صديقي ليس الموصل ما سينفجر …
احمد : القمر هو ما سيفعل …
جانر : ماذا أأنتم مجانين ام ماذا ؟ اي قمر ؟ البشرية قد تنتهي في مثل هذا الحدث ، جدوا طريقة الآن لإنقاذ الوضع والا سأتصل برفاقي في مجلس الأمن يخرجون أحد صواريخهم ليفتت هذا ما تسمونه " الموصل " بكل بساطة … و ماذا انتظر انا لأفعل هذا ، سأتصل بهم فعلا !
احمد : لا يا سيدي أن فعلت فسنواجه نفس المصير و ربما تصبح النتائج اسوء من ذلك ، اي انفجار في مسافة قريبة مثل هذه قد يطيح بجزء من سطح الارض و ربما تزحزح الارض عن مسارها اكثر مما يحدث ، الموصل يحتاج لتدمير كمية كبيرة من الصواريخ النجمية و الذي يعادل الصاروخ الواحد منها ١٠٠ صاروخ نووي ، هذا يعني أن حجم الانفجار سيكون هائلا و نتائجه كارثية ، و قد يدمر القمر الاصلي ايضا .
ظل العلماء يثرثرون و يصيحون و اشتبكوا مع جانر الذي تحدث إلى بعض چنرالات مجلس الأمن الذين حضروا على الفور مع طاقم علماء لم يزيدوا حرفا على ما قالاه احمد و روچر بل زادوا المختبر ضوضاء حتى جائت اللحظة الحاسمة و الجميع فشل في التصرف خوفا من النتائج .
يا لروعة المنظر ، لطالما كانت ليالي القاهرة ساحرة و بديعة منذ أول مرة هبطت في أرضها ، لكن تلك الليلة مثيرة … مختلفة ، تلك ليلة نهاية البشرية . ها انا اقف مستمعا لموسيقى الچاز البديعة اشاهد اهل الأرض يهلعون من رهبة المظهر ، القمر يحول لونه للاحمر إثر الإصطدام ، أحدهم نزف على القمر ! ما زاد الوضع سوءا أن القمر أصبح بارزا اكثر و يزداد بروزه أكثر فأكثر … نعم يا عزيزي أنه يقترب من الأرض و قريبا سيصطدم بها و يهين كبرياء البشر و بقائهم ، الاخبار كلها ترشد المواطنين اللجوء إلى أي منطقة تحت سطح الأرض ، الجيش بدأ في حفر خنادق للإختباء لكن كلها محاولات يائسة لن تفلح في شيء .
أسفا لن استطيع مشاهدة لحظة الاصطدام تلك عن قرب كما أنا الآن ، لكن لا بئس فالمظهر من الفضاء سيكون بديعا ايضا ، كما أن مركبتي تتيح لي اختراق الكاميرات و بذلك سأشاهد البشر يسحقون و انا جالس على اريكة المركبة خاصتي آكل بعض الفشار رغم بشاعة طعمه إلا أنهم يعتبرونه شيئا للتسلية لذلك سأتسلى بهم على طريقتهم .
بالمناسبة انا من عبث بالموصل و احدث كل هذا … و فجرت ناسا ايضا من سنوات منقضية لأعطل نظام TEG هذا الذي كان قاب قوسين او ادنى من اكتشاف وجود جنسي ، نعم انا من التقطته الكاميرات ، انا " جرويجن لوبا " الجار القادم من المريخ الشقيق ، أصبحت الارض تعيق تطورنا ، لأن انحرافها عن المسار المعتاد لها أصبح يعيق وصول الطاقة الشمسية الكافية لكوكبنا مما يؤخر تقدمنا نحن المريخيين ، كما أن مصائب البشر قد كثرت و يظنون أنهم الاقوى و بامكانهم اكتشاف وجودنا ببساطة و عمل تجارب علينا ليخلطوا چيناتنا بچيناتهم و يصبحون اقوى … طموحاتهم أودت بهم .
سحقا للغرور الذي يدفع الكائنات لمثل هذه المعتقدات المتعجرفة .
0 تعليقات