إيموچي
قصة من وحي الخيال تسرد الواقع
في إحدى الأيام جائتني دعوة من صديقي المقرب للإقامة في مكان ما مستقل يعزلك عن العالم الخارجي ، و بسبب ثقتي به ذهبتُ إلى هذا المكان.
"أهلاً و مرحباً بكم ، نحن دائماً في خدمتكم".
سمعتُ هذه الجملة تصدر من مكبرات صوت تملأ أرجاء المكان ، رأيتُ باباً أزرق اللون يقف أمامه العديد من الأشخاص ، و كعادتنا نُفضل الأشياء التي عليها إقبال حتى و إن كنا سنصل لها بعد الوقوف طويلاً في صف ممل.
كان هناك صف آخر لم أكن أراه من شدة الإزدحام و كان أقل بكثير من الصف الذي وقفتُ به ، كان ينظر لي الجميع و كأنني غريب عنهم حتى سألني أحدهم "هل انت جديد هنا؟" فأجبته "نعم"
أخبرني أن أقف بالصف الآخر كما حذرني من الدخول و قال أنه من الأفضل أن أغادر و أعود إلى حياتي الطبيعية ، لم أفهم السبب و ذهبتُ للصف للآخر و أنا أفكر و سرعان ما دعاني أحدهم للدخول.
عبرت باب الغرفة و وجدتُ لافتتين كلاهما في اتجاه عكس الأخرى ، اللافتة اليسرى تشير إلى "تسجيل الدخول" و اليمنى تشير إلى "تسجيل الاشتراك" ، اتجه الكثيرون إلى اليسار و كل منهم يحمل مفتاح غرفة خاصة به موجودة في طرقة كبيرة جداً بها أعداد مهولة من الغرف ، لم يرشدني أحد للإتجاه الصحيح ، فمشيتُ وراءهم حتى استوقفني أحد الحراس بحزم و قال
"أين مفتاحك؟.. غير مصرح لك بالتواجد هنا"
أخبرته أنني جديد و لا أعرف الطريق ، فقال لي أن أمشي بالإتجاه الآخر و سأجد غرفة خاصة بالجدد ، استدرت و توجهتُ لهذه الغرفة التي وجدتُ بها عدد قليل من الأشخاص ينتظرون دورهم ، جلستُ بجانب فتاة مراهقة سألتني
"من دعاك للقدوم إلى هنا"
أجبتها بإبتسامة خفيفة "صديق مقرب"
قالت "عليك أن تأخذ استمارة مثل هذه لتحصل على مفتاح غرفتك الخاصة"
سألتها "و هل لديك مفتاحاً؟"
أجابت "نعم بالفعل.. و لكني أكتب هذه الإستمارة لصديقتي"
قلتُ لها "حسناً سأذهب لإحضار استمارتي.. شكراً للمساعدة"
قالت "على الرحب.. أراك في الساحة سوف نصبح أصدقاءً"
بعد أن ملأت استمارتي التي تحمل بعض من المعلومات الشخصية حان دوري لإستخراج مفتاحي الخاص ، جلستُ على مكتب أمام أحدهم و الذي رحب بي و قرأ بياناتي و قال لي
"بمجرد التسجيل فأنت توافق على الشروط و سياسة البيانات"
ثم سألني عن رقم المفتاح الذي أرغب فيه.
قلتُ له "مفتاح رقم 10"
ضحك ضحكة مرتفعة ولا أعرف ما سببها و قال
"لم أعني ذلك يا سيدي.. أرقام المفاتيح هنا يجب أن تكون أكثر تعقيداً و ليس بالضرورة أن تكون أرقاماً فقط.. يمكنك وضع حروف و علامات أيضاً"
فهمتُ ما يعنيه و قلتُ "حسناً.. ما رأيك بتاريخ ميلادي"
أجاب "إنه أفضل من رقم 10 و لكنه ليس معقداً"
اكتفيت أن أضيف إليه اسمي و تاريخ الميلاد معاً ، فقال
"حسناً يبدو ملائماً.. كرره مرة أخرى"
كررته و انتظرته حتى ينتهي من تسجيل كافة بياناتي ، و بعد أن انتهى أمسك بملف خاص و ذهب ليضعه في رف ضمن رفوف عديدة خلفه مليئة بالملفات ثم عاد إلي و هو يعطيني المفتاح.
ذهبتُ إلى طرقة الغرف و في هذه المرة سمح لي الحارس بالمرور بعد أن تأكد من مفتاحي ، و أثناء سيري كنت أرى كل شخص يدخل غرفته المكتوب على بابها أسمه و أعلاه صورة ما سواء شخصية أو غيرها.
وجدتُ غرفتي مكتوب عليها اسمي و لكن لا يوجد صورة ، سمعتُ صوت يقول "ابتسم" ثم صدر وميضاً في وجهي أفقدني الرؤية لبضعة لحظات ، و عندما فتحتُ عيني وجدتُ صورة بشعة لوجهي فوق الإسم ، فقررت أن استبدلها و لكن بعد استكشاف غرفتي ، وجدتُ الغرفة خالية تماماً ولا يوجد فيها ما اكتشفه ، لحظات و طرق أحدهم الباب فقمت بفتحه ، وجدتُ شخصاً مبتسماً يلقي تحيته و يحمل في يده مجموعة من الصور أعطاها لي قائلاً
"هؤلاء أشخاص قد تعرفهم"
أخذتهم و شكرته ، و قبل أن يرحل نظر إلى باب غرفتي و شاور أسفل اسمي قائلاً "يمكنك كتابة بعض المعلومات المختصرة عنك في تلك المساحة"
رجعتُ إلى غرفتي بعد رحيله ، و تفحصتُ الصور التي أخذتها فوجدتُ صورة صديقي الذي دعاني إلى هذا المكان ، و كذلك صور الوالدين ، و بعض من أقاربي ، و كذلك المراهقة التي أخبرتني بإستمارة التسجيل ، و تعجبتُ لهذا الكم من الأشخاص المتواجدين هنا.
مر عام على وجودي بهذا المكان الذي لم أستطع من يوم دخوله أن أخرج منه ، لا يوجد حراسة مشددة تمنعك من الخروج منه ، و إقامتك فيه بإرادتك الكاملة بالإضافة إلى أنها إقامة مجانية ، عام كامل من الجلوس في غرفتي و الذهاب للتجول في الساحة و العودة للغرفة مجدداً و التي ازدحمت بالأشخاص الذين أتواصل معهم ، و كذلك امتلأ الحائط في الغرفة بالمنشورات الخاصة التي تبدي إعجاب البعض و البعض الآخر يعترض عليها في تعليق خاص ، و هناك الصندوق الذي يأتيني فيه رسائل يومية من الأصدقاء و ربما من غيرهم إذا سمحت لهم بذلك.
و في صباح هذا اليوم جاء إلي شخص ما يحمل كعكة احتفالاً بمرور عام على كوني جزء من أسرة المكان و أعطاني بعض الصور للمنشورات الخاصة بي و شكرني في النهاية لإنضمامي لهذا المكان ، و في الحقيقة لم أكن سعيداً بهذا.
لقد جئت إلى هنا للتواصل الحقيقي مع من أعرفهم أو لا أعرفهم و المشاركة الفعلية لما أشعر به ، أو في حل مشكلات البعض ، و بالفعل في البداية حققت جزءً بسيط مما أردت ، و لكن بعد ذلك تحول هذا الأمر إلى شئ عبثي و زائف ، أتواصل فقط عن طريق رسائل تحمل "إيموچي" للتعبير عن حالتي المزيفة.
و عندما أذهب للساحة أجد مجموعات عديدة من الأشخاص يتشاركون نفس الإسم و الصورة الشخصية ولا أعرف من فيهم الحقيقي و من الزائف ، ربما كلهم زائفون ، و عندما أكمل السير أجد كل اهتماماتي أمامي و ذلك لأن هذا المكان يعرف عني الكثير و ربما لا أعرف عن نفسي مثلما يعرف عني ، شعرتُ أنني سمحتُ له بمراقبتي و ليس في يدي ما أفعله ، و هناك من يأتي إلي يعرض علي تغيير لون حائط الغرفة أو إخباري بأسماء من زاروا غرفتي و كل هذا مقابل مفتاح الغرفة.
سئمتُ من كل هذا ، و أثناء عودتي ذهبتُ لزيارة غرفة المراهقة و تفاجئتُ بوضع شريطة سوداء على صورتها الشخصية ، نعم لقد انتحرت لتعرضها للتنمر في الساحة ، أصبح هذا المكان من بعد ذلك مظلماً بالنسبة لي لذلك قررت مغادرته.
0 تعليقات