الفصل الأول (رسالة هاتفية)
رواية لعنة الخوف - الفصل الأول |
(خالد) صاحب العشرين عام طالب في كلية الآداب
جامعة الإسكندرية , لم يكن يرى أن وجوده في الكلية أمراً هاماً فطالب مثله في قسم
الاجتماع ينظر إلى المستقبل بعينا (طه حسين) لا يُنتظر منه أن يهتم بأمر الدراسة
بقدر اهتمامه بمكتبة والده التي يدير شئونها , من ينظر إلى صاحبنا هذا يرى مواطناً
مصرياً أصيلاً , شعر مجعد يتربع المشيب في منتصفه كبقعة بيضاء في رداءٍ أسود و لحية
متصلة بشارب اشتاقا إلى مكنة الحلاقة التي نسي شكلها منذ مدة ليست بالقصيرة , تكشف
هموم الدنيا عن نفسها في هالات سوداء اجتاحت وجهه العابس , الضيق يتجلى في أوضح
صوره بسماع صوت خطواته الزاحفة و هو يرتدي ( شبشب صباع ) يحك به الإسفلت في ساعات
الصباح الأولى متجهاً كعادته إلى مكتبة أبيه ليفتحها , ثم يجلس فيها و يتنفس
هوائها المتشبع بالملل المخلوط بروائح كتب و مجلدات تحترق شوقاً لزبون ينتشلها من
الأتربة التي عششت فوقها و أنشأ النمل حضارات بداخلها , في هذه الأثناء شعر بهزة
داعبته , فوضع يده التي خرجت من جيب سرواله الرياضي تحتضن simsung galaxy قطعة خردة (استعمال خارج يا باشا) تعكس شاشتها المشروخة صفعة 800
جنيه ذهبوا مع الريح في ثفقه خاسرة آخر ما قال صاحبها (أعلى ما في خيلك اركبه
ماعندناش ترجيع) , ضغط على الزر فوجد رسالة جديدة حجزت لنفسها مكاناً بين رسائل (فودافون)
عديمة القيمة , و أخذ ينظر إليها بعينين لازالتا تريا الفراش أمامها , و لكنهما انفتحتا
فجأة و ارتفع حاجباه لأعلى فقد عرفت السعادة طريقها إلى الشاب بعد فترة طويلة من
بحثها عنه , عانقته بشدة , لم يكن يدرك قيمة الملل و لا رسائل (فودافون) , و
لكنهما اتحدا معا لتكون ثمار شغل وقته الرتيب في مكتبة الحاج (إسماعيل) بالرد على
رسائل و مسابقات (فودافون) بأنه فاز بجهاز لاب توب , أخيراً.....يا صبر
أيـــَّـــوب
وردية 8 ساعات صباحاً يقضيها (خالد) بروتين شريط كاسيت
يرجع تاريخ شراءه إلى عمر 11 دورة حول الشمس عندما علَّمه أبوه كيف يدير شئون
المكتبة , ساعات طويلة يرد فيها تحيات المارة بمختلف دياناتهم و أيدولوجياتهم .
سلامو عليكو , صباح الخير , هاي , أحلى مسا عليك . بينما ينفِّذ دباجات لا قيمة
لها تأمره بإحضار كشكول 60 ورقة مسطَّر جلاد أبيض و كراسة صفحة و صفحة لأستاذ
العلوم , حيث لا أستاذ و لا علوم !!
بعد ما أتم (خالد) ورديته داخل المكتبة ذهب إلى حيث يستلم
الجائزة , ثم عمد لصديقٍ له مكث في غرفة مغمورة بكراكيب من شاشات قديمة و قرصات مبعثرة
على الأرض بالإضافة إلى أعضاء أجهزة وافتها المنية , ناهيك عن علاقات دبلوماسية
بين قبائل الصراصير و عشائر النمل تتم بحضور خيوط العنكبوت في لوحة فنية تزين
الحائط رُسمت على غرار طفح المجاري في الحي منذ يومين و لم يصل صيته إلى أي من
المسئولين , و لا ينتوي أن يصل. و قد أطلق صديق (خالد) على غرفته (مركز صيانة)
مجازاً.
دلف (خالد) المكان و صاح قائلاً:
-
سلامو عليكوووو
انتفض صديقه من مكانه يتعذر في الخردة على الأرض و هو يقول :
-
و عليكم السلاااااااااام أهلاااااااااااا حاج (خالد)
ازيك أوحش- قالها و قبَّل (خالد)
-
أزيك انت عاش من شافك
-
أديني متلقح أهو زي مانت شايف........- قالها و نظر إلى
الكرتونة في يده :
-
ايه ده ايه ده مبروك عليك هو الحاج رضي عنك ولا إيه !؟
-
لا طبعاً انت عبيط !! , ده الناس بتوع فودافون هما اللي
رضو عني
-
هاهاهاهاها كسبت يابن المحظوظة وريني كدا – وضع العلبة
على المنضدة و فتحها ثم قال :
-
ايه ده ! ايه
يابني الجهاز المعفن ده ؟؟, core
i 2 – جلس على
مقعده مرة أخرى
-
ياعم أحسن من مافيش , بص عايزك تحط ويندوز سيفين و
برنامج ماقروصوفت أفيص 2007
-
هاهاهاهاهاها ماقروصوفت !!! , ربنا يولع فيه
-
هوا مين !
-
اللي علمك انجليزي , اتفضل اقعد بيتك و مطرحك
جلس (خالد) على كرسي خشبي بُترت إحدى قدميه الخلفيتين في اشتباكات حامية
الوطيس خاضها الحاج (بُرعي و أولاده) دفاعاً عن امبراطورية تفوح منها روائح المعسل
و السجائر, قبل أن يكون الكرسي هدية لصديق (خالد) نظراً لما قدمه من تضحيات في
الخناقة (خد يا بني قعَّد عليه ضيوفك احنا مش عوزينه) .
ينتظر (خالد) صديقه حتى يُنهي تثبيت windows بملحقاته بينما يحتسي مشروباته الساخنة , و يأكل
الطعام الذي قُدِّم إليه , و ما أن انتهى حتى حيا صديقه و عاد إلى بيته ثم دلف
غرفته بعد ما أنهى استجواب والديه الثقيل عن أمر الجائزة.
هنا
ترك الصداع رؤوس جميع الناس و قصد رأس (خالد) , الفراش ينادي لابد من أنه وقت
النوم , ومن الواضح أن صاحبنا قد انتوى تكرار ظاهرة نادرة تحدث مرة أو اثنين في
السنة و هي ذهابه إلى الكلية بل و استماعه للمحاضرات !!! .
"أنقذ
صديقك أيها الشاب" - صوتٌ أجش ينادي
بقوة يليه صدى تكراري كأن أحدهم ينادي في ميكروفون متصل بسماعات ضخمة انتشرت في أرجاء
المكان , الشاب يقف في مكان حالك الظلمة مدركاً أنه في كابوس و لكن لا يسعه الخروج
منه , النداء يتكرر مرة أخرى و معه صوت خطوات تضرب الأرض معنفةً إياها كأن عملاق
ارتدى دبابتين في قدميه و صوت الصدى الناتج عنهما يلتحم مع صفير رياح عاتية و صراخ
مدوي من بعيد , مهندس صوت مُحترف قام بإدارة هذا الكابوس.
بدأ (خالد) المُتصلّب في مكانه يستشعر أن مصدر النداء و الخطوات يأتي من
خلفه مما جعله يحاول إدارة رأسه ليرى .
ما هذا !!!!!
أحدٌ ما يظهر أن طوله حوالي ثلاث أمتار أو أكثر يمسك بقنديل يضيء به طريقه
, لا يستطيع الشاب أن يرى ملامح وجهه التي طمسها الدلمس , كرر الرجل مقولته مرة
أخرى "أنقِذ صديقك أيها الشاب" فترددت في المكان بصوت تقشعر له الأبدان
, قالها و اختفى ليفتح المجال أمام الصراخ الذي ظل يعلو شيئا فشيئا , الصراخ يعلو
بشدة , يعلو أكثر و يقترب , طبلة أُذني (خالد) تكاد يُفتك بها فتنفجر و لم ينقطع الصراخ
حتى انتفض الشاب فَزعاً يتنفس الصعداء بقوة وصعوبة كغريق يصارع المياه .
-
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم – قالها (خالد) فخرجت
سريعة مُرتعشة
نغمة هاتفه المُزعجة التي أفزعته مرة أُخرى تنوه بوصول رسالة أو عدة رسائل
فقد كررت نفسها مرات عديدة !! , تجاهل نداء هاتفه و عاد يلتف بلحافه بينما يجاهد
النوم للعودة إلى جسده كجريح يزحف على الأرض مُحاولاً الوصول لمكان العلاج..
محمود وجيه
0 تعليقات