رواية لعنة الخوف - الفصل الثالث (البحث وراء المجهول) - الجزء الأول


البحث وراء المجهول


إن البحث وراء الحقائق المتعلقة بالكوابيس و الأرواح أمرٌ مخيف , و التوصُّل إلى هذه الحقائقِ يمحو الخوفَ تماماً...
ليٌحلَّ محلّهٌ فزعٌ و روعٌ .. يحيلُ سواد الشعرِ إلى بياضه .. و يمد الأبدان بشحناتٍ كهربائية تجعلها ترتجف دونَ توقُّف ..... و يجعل من الصرعِ أمراً هيناً .
و ما شحوب الوجهِ من هذه الأشياء إلا محض دعابات..
..........................................................................................................................................
من ساغوار !!؟

مساند و رفيق في ماذا!!

ثم ما هي علاقتي بذلك المكان الغامض الذي يتربع الرعب على عرشه !؟

و من صديقي الذي سيقتل فيه !!

تزاحمت هذه الأسئلة حول (خالد) و أخذت تنهش في رأسه فور استيقاظه  مثل جحافل سوس تشن هجوماً على لوح خشب , كان يتذكر كابوسه بأدق تفاصيله و يستطيع أن يرويه بكل ما فيه , الأرق موجود بقوة , و مع تكرار هذا الكابوس لمدة خمسة أيام متوالية لم يعد المساء - كما هو معروفٌ عنه - وقتاً مناسباً للنوم , الرسالة المعهودة طبع منها مئات النسخ تم توزيعها على هاتف صاحبنا و كل حساباته على موقع فيس بوك حتى اعتقد والديه في ضرورة عرضه على شيخ ليتوقف هذا العفريت الوقح عن مزاحه الثقيل !!.

الشيخ (محمد عبد العال) هو من وقع عليه الاختيار , هو إمام زاوية في الحي يعرفه الناس بالتقوة  و الورع لم يعرف عليه أحد شراً قط , الجميع يحبه و يبجله و يحترمه . فوق كل ذلك فهو يجيد الرقي بالقرآن الكريم , الحاج (إسماعيل) والد (خالد) اصطحبه إلى المسجد ليؤدوا  فريضة العصر ثم يجلسوا مع الشيخ على انفراد و يحدثوه في الأمر , (خالد) بطبيعته يتردد على المسجد بين الحين و الآخر أثناء ورديته في المكتبة التي يتركها و يعلق لافتة (مغلق للصلاة ) على الباب بل إنه يحتفظ بعلاقة جيدة مع الشيخ (محمد) إمام الزاوية و ذلك على عكس أبيه , فهذا الأخير لا يعرف طريقه إلى المسجد إلا يوم الجمعة , كان أولى بهذا العفريت أن يتلبس الحاج (إسماعيل) . في الحقيقة لم يكن الشاب مقتنعاً بشكلٍ كامل بأنه مصاب بمس من الجان , إن بداخله شعور يخاطب حدسه القوي , شعور يقول له بأن هناك أمر ما خطير يتم تحذيره منه , أمر لا يعرفه و لكنه يخاف منه و يشعر بضرورة التوصل إليه و إلا وقعت كارثة ما , ثم إنه يرتجف خوفاً من تلك الرسائل التي تستهدفه , فليس الأمر يتعلق بعالم الكوابيس و الأوهام فحسب بل إنه انتقل إلى عالم الماديات , إلا إذا كان ما تلبسه من العفاريت السيس الذين يحملون هواتف  (android) و لهم حسابات على facebook و لكن على أي حال لا مانع من التجربة .
انتهت صلاة العصر , جلس الحاج (إسماعيل) إلى جانب ولده ليختم الصلاة و ينتظرا حتى يخلو المسجد من الناس , فيتهيأ الجو للحديث .
-         السلام عليكم يا عم الشيخ محمد

-         و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته , ازيك يا حاج إسماعيل – صاح بها الشيخ في حماسة و هو يضحك و يصافح الحاج بعدما أغلق مصحفه و وقف ثم التفت إلى (خالد) و مد يده يصافحه و هو يقول باسماً:

-         ازيك يا خالد

-         الحمدلله يا شيخ- رد خالد في شيء من الخجل حانياً ظهره 

دعاهما الشيخ إلى الجلوس فجلسا , هنا تنحنح الحاج (إسماعيل) و قال:

-         الأسبوع اللي عدا ده كانت بتحصل حاجات غريبة للولد

-         زي ايه

-         يعني يقوم بلليل مفزوع من كوابيس توصله رسايل بيقول والله أعلم انه سمعها في المنام و أديله خمس أيام تقريباً مش بينام ووشه شحب زي مانت شايف , المشكلة بقى أنه متعود يقرا قرآن قبل ما ينام و يقرا الورد مع ذلك بردو بيحصلو الموضوع !!

كان الشيخ يستمع باهتمام مضيقاً عينيه و ينظر إلى (الخالد) الذي جلس شارداً بعينه إلى الفراغ ثم وجه حديثه إلى (خالد):

-         بتشوف ايه في المنام يا بني

-         لاقيت نفسي في مقابر و الدنيا ضلمة كحل مافيش غير نور القمر , و سامع صوت صويت بس مش صويت عادي ده زي ماتقول 100 واحد بيسرخو في وقت واحد كأنهم بيتحرقو , في نفس الوقت حاسس بريحت شياط بفضل شممها حتى بعد الاستيقاظ!! , المهم لاقيت واحد بيخبط عليا من ورا شكله غريب و مخيف يقولي انقذ صحبك بس بيقولها بالفصحى و بعدين يختفي

-         بيتكرر كل يوم بنفس التفاصيل دي

-         أها , ماعدا أول مرة جالي فيها ماكانش واضح

أطرق الشيخ بضع ثوانٍ يفكر ثم قال :

-         تعالو معايا -  قالها و هو ينهض من مكانه فنهضا معه و اتبعاه إلى خارج المسجد حيث ارتدوا الأحذية و اتبعا الشيخ في الطريق إلى أن وصلا إلى منزله.

دلف الشيخ شقته ثم  دعاهما باحترام إلى الدخول و بعدها طلب منهما أن يتبعاه إلى حجرة من حجرات المنزل. جلس الشيخ على الأريكة جانب (خالد) و بدأ يتلو بعض الآيات واضعاً يده اليمنى فوق رأسه , بعض الأدعية , و استمر الأمر لمدة ساعة و وجه الشاب يُظهر من هدوءه و جموده عبارة (ولاااااااااا أي اندهاااش !!) التأثير غاب عن المشهد و حضر مكانه الملل الذي استدعى (خالد) لأن يسأل هذا السؤال:

-         خلاص ولا لسا – قالها في نفاذ صبر
..............................................................................................

عاد الحاج (إسماعيل) مع أبنه إلى المنزل , كان الحاج مطمئناً إلى حدٍ كبير حيث أنه لم تظهر أي من أعراض المس على ولده , أما (خالد) فكان يتحايل على الطمأنينة و يسترضي عقله في مفاوضات شاقة يحاول فيها أن يقنع نفسه بأنها محض كوابيس , و بعد خمسة أيام كان يستيقظ فيها مذعوراً و لا يصيبه إلا سهاماً قليلة من سهام الراحة , كان الأمل حاضراً..لا داعي للتهويل

-         سوف أنام الليلة بلا أي معوقات - قالها في نفسه في إطار محاولاته الجادة لطرد الهواجس العالقة بها , و ما انفكت تفعل ذلك حتى طفقت تدمر خلايا عقله من التفكير. و بالفعل كان له ما أراد , يا حبذا النوم حين يتأخر , بعد الحرمان منه مدة طويلة ثم عودته مرة أخرى فإن الإنسان يستمتع بلذته المتراكمة و يصير مثل جائعٍ ذاق جفاف البادية و تمزُّق الأحشاء , ثم قُدّم له من الطعام ما لذّ و طاب

-         يوم الأربعاء القادم.......الأربعاء القادم أيها الشاب..........تقع الواقعة ......الأربعاء......الأربعاء - صوتٌ رخيم يقول هذه العبارات  في أذني الشاب الذي احتضنه النوم حالفاً ألا يتركه , قالها هذا الشخص بهدوء كأنه يريد أن يوصل رسالته دون أن يزعج (خالد) من نومه , هل أشفق كابوسه الأبدي عليه أم ماذا ؟؟.

صباح جديد يغلفه الأمل تعزف ألحانه الطيور , استيقظ (خالد) الساعة التاسعة صباحاً و بعد 12 ساعة من النوم خجل بدنه من أن يطلب المزيد.

-         أبويا فين ؟- سأل خالد

-         نزل المكتبة - ردت أمه

هنا اكتملت السعادة , طالما ليس هناك وردية اليوم فسيحرق صاحبنا ساعات طويلة أمام الاب توب الجديد , و لكن السعادة مثل الراحة تعرف بأنها عديمة الحماية فقط ترصدها سهام الكرب و الحزن لترجيها جثة هامدة , و هذا ما حدث مع (خالد) , هذا موقع facebook لا يعرف إلا عبارة واحدة و هي "يوم الأربعاء القادم" جميع المنشورات من صفحات و حسابات , الرسائل صادرة و مستقبلة كلها تحمل نفس العبارة . شعر (خالد) بدوار يقتله فظل يحك رأسه غاضباً , صوت نغمة الرسائل المستفزة للهاتف المحمول مستمرة في التكرار و هو يضع يديه على أذنيه بينما أنفاسه تزداد سرعة , هنا انفجرت رأس الشاب و أصابته حالة جنون عصبي جعلته يلقي هاتفه على الأرض بكل ما يملك من قوة فتهشم محدثاً صوت انفجار, كان رفيقاً مع اللاب توب و اكتفى بنزع قابس الكهرباء عنه.

ماهذا !!!!

دخان كثيف على يمينه , انبثق منه شخص عهدناه سابقاً . ظل الشخص واقفاً في مكانه يتأمل الفراغ و (خالد) شاخص العينان كأنه قتل بمائة طعنة من سكين تلم , بدأ الشخص يتحدث بهدوء:

-         اليوم تأكدت من قدرتي في التأثير على مؤشرات الإبصار – قالها (ساغوار) ثم وجه نظرته القاتلة لـ(خالد) و قال في غضب :

-         لماذا لا تريد أن تلبي النداء أيها الأحمق , ليلة أمس تركت حراسة بوابة غرفة نومك لكي أمنع دخول النوم إليك , و تركتك تحصل على الراحة فلماذا تنكر الجميل؟

لا زال (خالد) في حالته المزرية ينظر فقط إلى الغريب الواقف أمامه و طوله يقترب من الثلاثة أمتار , بدأت الرعشة تسل سيوفها نحوه . فبدأ يرتعش في كل تصرفاته , أنفاسه حركات يديه و هو يبحث عن شيء يدافع به عن نفسه حتى جفون عينيه كانت ترتعش , حاول استجماع الحروف جاهداً و لكنه فشل في ذلك فتابع (ساغوار) يقول :

-         يوم الأربعاء القادم , تنقذ صديقك و أقرانه من شر (كاشيور) المارد اللعين و أتباعه من شياطين الإنس

هنا تنفس (خالد) بصوت مرتفع وجاهد في شيء من الغضب المخلوط بالرعب لكي يتحدث قائلاً:

-         و......و.......و لما لا تنقذه أنت !!!!!

ابتسم (ساغوار) بسخرية و قال :

-         و إن كنت أستطيع ذلك فلماذا ألجأ إليك أنت , أنا فقط أحتاج إلى إشارة استدعاء من أحد المقربين إلى الضحايا و يكون في نفس الوقت من الإنس الصالحين لتكون إشارة دخولي هذه الحرب , ألست تتردد على المسجد ؟ , ألست تعلق لافتة مغلق للصلاة؟؟ , لا يمكن أن أخالف أعرافنا و أسل سيفي على أحد إلا بعد إثبات أن هذا المارد يخالف الأعراف و يجر الأذى إلى العباد

الهدوء تسلل إلى (خالد) و بدأت أنفاسه تهدأ فقال:

-         أين أذهب و ماذا أفعل؟

-         مصطفى هو دليلك......كن له ظلاً

إرسال تعليق

0 تعليقات