البحث وراء المجهول
إن البحث وراء
الحقائق المتعلقة بالكوابيس و الأرواح أمرٌ مخيف , و التوصُّل إلى هذه الحقائقِ
يمحو الخوفَ تماماً...
ليٌحلَّ محلّهٌ
فزعٌ و روعٌ .. يحيلُ سواد الشعرِ إلى بياضه .. و يمد الأبدان بشحناتٍ كهربائية
تجعلها ترتجف دونَ توقُّف ..... و يجعل من الصرعِ أمراً هيناً .
و ما شحوب الوجهِ
من هذه الأشياء إلا محض دعابات..
..........................................................................................................................................
من ساغوار !!؟
مساند و رفيق في
ماذا!!
ثم ما هي علاقتي
بذلك المكان الغامض الذي يتربع الرعب على عرشه !؟
و من صديقي الذي
سيقتل فيه !!
تزاحمت هذه
الأسئلة حول (خالد) و أخذت تنهش في رأسه فور استيقاظه مثل جحافل سوس تشن هجوماً على لوح خشب , كان
يتذكر كابوسه بأدق تفاصيله و يستطيع أن يرويه بكل ما فيه , الأرق موجود بقوة , و
مع تكرار هذا الكابوس لمدة خمسة أيام متوالية لم يعد المساء - كما هو معروفٌ عنه -
وقتاً مناسباً للنوم , الرسالة المعهودة طبع منها مئات النسخ تم توزيعها على هاتف
صاحبنا و كل حساباته على موقع فيس بوك حتى اعتقد والديه في ضرورة عرضه على شيخ
ليتوقف هذا العفريت الوقح عن مزاحه الثقيل !!.
الشيخ (محمد عبد
العال) هو من وقع عليه الاختيار , هو إمام زاوية في الحي يعرفه الناس بالتقوة و الورع لم يعرف عليه أحد شراً قط , الجميع
يحبه و يبجله و يحترمه . فوق كل ذلك فهو يجيد الرقي بالقرآن الكريم , الحاج
(إسماعيل) والد (خالد) اصطحبه إلى المسجد ليؤدوا
فريضة العصر ثم يجلسوا مع الشيخ على انفراد و يحدثوه في الأمر , (خالد)
بطبيعته يتردد على المسجد بين الحين و الآخر أثناء ورديته في المكتبة التي يتركها
و يعلق لافتة (مغلق للصلاة ) على الباب بل إنه يحتفظ بعلاقة جيدة مع الشيخ (محمد)
إمام الزاوية و ذلك على عكس أبيه , فهذا الأخير لا يعرف طريقه إلى المسجد إلا يوم
الجمعة , كان أولى بهذا العفريت أن يتلبس الحاج (إسماعيل) . في الحقيقة لم يكن
الشاب مقتنعاً بشكلٍ كامل بأنه مصاب بمس من الجان , إن بداخله شعور يخاطب حدسه
القوي , شعور يقول له بأن هناك أمر ما خطير يتم تحذيره منه , أمر لا يعرفه و لكنه
يخاف منه و يشعر بضرورة التوصل إليه و إلا وقعت كارثة ما , ثم إنه يرتجف خوفاً من
تلك الرسائل التي تستهدفه , فليس الأمر يتعلق بعالم الكوابيس و الأوهام فحسب بل
إنه انتقل إلى عالم الماديات , إلا إذا كان ما تلبسه من العفاريت السيس الذين
يحملون هواتف (android) و لهم حسابات على facebook و لكن على أي حال لا مانع من التجربة .
انتهت صلاة العصر
, جلس الحاج (إسماعيل) إلى جانب ولده ليختم الصلاة و ينتظرا حتى يخلو المسجد من
الناس , فيتهيأ الجو للحديث .
-
السلام عليكم يا عم الشيخ محمد
-
و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته , ازيك يا حاج
إسماعيل – صاح بها الشيخ في حماسة و هو يضحك و يصافح الحاج بعدما أغلق مصحفه و وقف
ثم التفت إلى (خالد) و مد يده يصافحه و هو يقول باسماً:
-
ازيك يا خالد
-
الحمدلله يا شيخ- رد خالد في شيء من الخجل حانياً
ظهره
دعاهما الشيخ إلى الجلوس فجلسا , هنا تنحنح الحاج (إسماعيل) و قال:
-
الأسبوع اللي عدا ده كانت بتحصل حاجات غريبة للولد
-
زي ايه
-
يعني يقوم بلليل مفزوع من كوابيس توصله رسايل بيقول
والله أعلم انه سمعها في المنام و أديله خمس أيام تقريباً مش بينام ووشه شحب زي مانت
شايف , المشكلة بقى أنه متعود يقرا قرآن قبل ما ينام و يقرا الورد مع ذلك بردو
بيحصلو الموضوع !!
كان الشيخ يستمع باهتمام مضيقاً عينيه و ينظر إلى (الخالد) الذي جلس شارداً
بعينه إلى الفراغ ثم وجه حديثه إلى (خالد):
-
بتشوف ايه في المنام يا بني
-
لاقيت نفسي في مقابر و الدنيا ضلمة كحل مافيش غير نور
القمر , و سامع صوت صويت بس مش صويت عادي ده زي ماتقول 100 واحد بيسرخو في وقت
واحد كأنهم بيتحرقو , في نفس الوقت حاسس بريحت شياط بفضل شممها حتى بعد
الاستيقاظ!! , المهم لاقيت واحد بيخبط عليا من ورا شكله غريب و مخيف يقولي انقذ
صحبك بس بيقولها بالفصحى و بعدين يختفي
-
بيتكرر كل يوم بنفس التفاصيل دي
-
أها , ماعدا أول مرة جالي فيها ماكانش واضح
أطرق الشيخ بضع ثوانٍ يفكر ثم قال :
-
تعالو معايا -
قالها و هو ينهض من مكانه فنهضا معه و اتبعاه إلى خارج المسجد حيث ارتدوا
الأحذية و اتبعا الشيخ في الطريق إلى أن وصلا إلى منزله.
دلف الشيخ شقته ثم دعاهما باحترام
إلى الدخول و بعدها طلب منهما أن يتبعاه إلى حجرة من حجرات المنزل. جلس الشيخ على الأريكة
جانب (خالد) و بدأ يتلو بعض الآيات واضعاً يده اليمنى فوق رأسه , بعض الأدعية , و
استمر الأمر لمدة ساعة و وجه الشاب يُظهر من هدوءه و جموده عبارة (ولاااااااااا أي
اندهاااش !!) التأثير غاب عن المشهد و حضر مكانه الملل الذي استدعى (خالد) لأن
يسأل هذا السؤال:
-
خلاص ولا لسا – قالها في نفاذ صبر
..............................................................................................
عاد الحاج (إسماعيل) مع أبنه إلى المنزل , كان الحاج مطمئناً إلى حدٍ كبير
حيث أنه لم تظهر أي من أعراض المس على ولده , أما (خالد) فكان يتحايل على
الطمأنينة و يسترضي عقله في مفاوضات شاقة يحاول فيها أن يقنع نفسه بأنها محض
كوابيس , و بعد خمسة أيام كان يستيقظ فيها مذعوراً و لا يصيبه إلا سهاماً قليلة من
سهام الراحة , كان الأمل حاضراً..لا داعي للتهويل
-
سوف أنام الليلة بلا أي معوقات - قالها في نفسه في إطار
محاولاته الجادة لطرد الهواجس العالقة بها , و ما انفكت تفعل ذلك حتى طفقت تدمر
خلايا عقله من التفكير. و بالفعل كان له ما أراد , يا حبذا النوم حين يتأخر , بعد
الحرمان منه مدة طويلة ثم عودته مرة أخرى فإن الإنسان يستمتع بلذته المتراكمة و
يصير مثل جائعٍ ذاق جفاف البادية و تمزُّق الأحشاء , ثم قُدّم له من الطعام ما لذّ
و طاب
-
يوم الأربعاء القادم.......الأربعاء القادم أيها
الشاب..........تقع الواقعة ......الأربعاء......الأربعاء - صوتٌ رخيم يقول هذه
العبارات في أذني الشاب الذي احتضنه النوم
حالفاً ألا يتركه , قالها هذا الشخص بهدوء كأنه يريد أن يوصل رسالته دون أن يزعج
(خالد) من نومه , هل أشفق كابوسه الأبدي عليه أم ماذا ؟؟.
صباح جديد يغلفه الأمل تعزف ألحانه الطيور , استيقظ (خالد) الساعة التاسعة
صباحاً و بعد 12 ساعة من النوم خجل بدنه من أن يطلب المزيد.
-
أبويا فين ؟- سأل خالد
-
نزل المكتبة - ردت أمه
هنا اكتملت السعادة , طالما ليس هناك وردية اليوم فسيحرق صاحبنا ساعات
طويلة أمام الاب توب الجديد , و لكن السعادة مثل الراحة تعرف بأنها عديمة الحماية
فقط ترصدها سهام الكرب و الحزن لترجيها جثة هامدة , و هذا ما حدث مع (خالد) , هذا
موقع facebook لا يعرف إلا عبارة واحدة و هي "يوم الأربعاء القادم"
جميع المنشورات من صفحات و حسابات , الرسائل صادرة و مستقبلة كلها تحمل نفس
العبارة . شعر (خالد) بدوار يقتله فظل يحك رأسه غاضباً , صوت نغمة الرسائل
المستفزة للهاتف المحمول مستمرة في التكرار و هو يضع يديه على أذنيه بينما أنفاسه
تزداد سرعة , هنا انفجرت رأس الشاب و أصابته حالة جنون عصبي جعلته يلقي هاتفه على
الأرض بكل ما يملك من قوة فتهشم محدثاً صوت انفجار, كان رفيقاً مع اللاب توب و
اكتفى بنزع قابس الكهرباء عنه.
ماهذا !!!!
دخان كثيف على يمينه , انبثق منه شخص عهدناه سابقاً . ظل الشخص واقفاً في
مكانه يتأمل الفراغ و (خالد) شاخص العينان كأنه قتل بمائة طعنة من سكين تلم , بدأ
الشخص يتحدث بهدوء:
-
اليوم تأكدت من قدرتي في التأثير على مؤشرات الإبصار –
قالها (ساغوار) ثم وجه نظرته القاتلة لـ(خالد) و قال في غضب :
-
لماذا لا تريد أن تلبي النداء أيها الأحمق , ليلة أمس
تركت حراسة بوابة غرفة نومك لكي أمنع دخول النوم إليك , و تركتك تحصل على الراحة
فلماذا تنكر الجميل؟
لا زال (خالد) في حالته المزرية ينظر فقط إلى الغريب الواقف أمامه و طوله
يقترب من الثلاثة أمتار , بدأت الرعشة تسل سيوفها نحوه . فبدأ يرتعش في كل تصرفاته
, أنفاسه حركات يديه و هو يبحث عن شيء يدافع به عن نفسه حتى جفون عينيه كانت ترتعش
, حاول استجماع الحروف جاهداً و لكنه فشل في ذلك فتابع (ساغوار) يقول :
-
يوم الأربعاء القادم , تنقذ صديقك و أقرانه من شر
(كاشيور) المارد اللعين و أتباعه من شياطين الإنس
هنا تنفس (خالد) بصوت مرتفع وجاهد في شيء من الغضب المخلوط بالرعب لكي
يتحدث قائلاً:
-
و......و.......و لما لا تنقذه أنت !!!!!
ابتسم (ساغوار) بسخرية و قال :
-
و إن كنت أستطيع ذلك فلماذا ألجأ إليك أنت , أنا فقط
أحتاج إلى إشارة استدعاء من أحد المقربين إلى الضحايا و يكون في نفس الوقت من
الإنس الصالحين لتكون إشارة دخولي هذه الحرب , ألست تتردد على المسجد ؟ , ألست
تعلق لافتة مغلق للصلاة؟؟ , لا يمكن أن أخالف أعرافنا و أسل سيفي على أحد إلا بعد
إثبات أن هذا المارد يخالف الأعراف و يجر الأذى إلى العباد
الهدوء تسلل إلى (خالد) و بدأت أنفاسه تهدأ فقال:
-
أين أذهب و ماذا أفعل؟
-
مصطفى هو دليلك......كن له ظلاً
0 تعليقات